المادة    
قال: "وذلك مثل قوله في التوراة ما قد ترجم بالعربية: (جاء الله من طور سينا)، وبعضهم يقول في الترجمة: (تجلى الله من طور سينا، وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران).
فعندنا ثلاثة أمور تتعلق بالله سبحانه وتعالى؛ الأول: أنه تجلى أو جاء من الطور، والثاني: أنه أشرق من ساعير، والثالث: أنه استعلن -أي: ظهر وأعلن كما في الترجمة الأخرى عندهم- من جبال فاران. هذا نص عبارة التوراة، وهذا النص موجود إلى اليوم يقرؤه اليهود والنصارى بجميع طوائفهم وفرقهم.
ثم قال شيخ الإسلام: "قال كثير من العلماء واللفظ لـأبي محمد بن قتيبة: ليس بهذا خفاء على من تدبره ولا غموض؛ لأن مجيء الله من طور سينا إنزاله التوراة على موسى من طور سينا، كالذي هو عند أهل الكتاب وعندنا، وكذلك يجب أن يكون إشراقه من ساعير إنزاله الإنجيل على المسيح، وكان المسيح من ساعير -أرض الخليل- بقرية تدعى ناصرة، وباسمها يسمى من اتبعه: نصارى.
وكما وجب أن يكون إشراقه من ساعير بالمسيح، فكذلك يجب أن يكون استعلانه من جبال فاران: إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، وجبال فاران هي جبال مكة ".
يبين الإمام ابن قتيبة رحمه الله أنه لا أحد يشك في هذا؛ فالمسلمون واليهود والنصارى متفقون على أن الله سبحانه وتعالى كلم موسى عليه السلام عند الطور، وأن معنى إشراقه من ساعير: هو إنزاله الإنجيل على عيسى عليه السلام، وذكر أن ساعير هي بلدة قريبة من بيت لحم حيث ولد المسيح عليه السلام، أو القرية المسماة الناصرة، وعلى أرجح الأقوال يسمى النصارى بذلك نسبةً إلى الناصرة، وهي بلدة معروفة إلى الآن في فلسطين، وسيأتي كلام شيخ الإسلام عليها، وسيوضح هذا المعنى أكثر.
فاليهود والنصارى والمسلمون كلهم مسلِّمون بالأولى وهي: إنزال التوراة.
أما الثانية، وهي إنزال الإنجيل فيسلم بها النصارى ولا يسلم بها اليهود، ونحن نسلِّم بها، فاتفقنا نحن والنصارى عليها، ونحن نلزم اليهود بالتسليم برسالة عيسى عليه السلام؛ لأن هذا نص التوراة وهو كتابهم، والنصارى يوافقوننا على ذلك.
وأما الثالثة: فقد وجدنا أن النصارى الذين هم معنا في الثانية على اليهود يقولون: لا نؤمن بها.. وهنا تأتي قضية إلزامهم بذلك، مع أن ما يلزم به اليهود من مقتضى نص التوراة يلزم به النصارى ضمناً؛ لأنهم يؤمنون بنفس التوراة.
  1. إثبات أن جبال فاران هي مكة وما حولها

    قال شيخ الإسلام : "وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أن فاران هي مكة، فإن ادعوا أنها غير مكة، فليس ينكر ذلك من تحريفهم وإفكهم".
    فلا خلاف عند أي عاقل ومتأمل منصف أن جبال فاران هي جبال مكة، فإن قال أحد منهم غير ذلك فهذا من تحريفهم؛ لأنهم كذبوا على الله، ونسبوا إلى المسيح أنه الله أو أنه ابن الله، فليس غريباً عليهم أن يحرفوا معنى فاران بشيء آخر، وشيخ الإسلام رحمه الله سيلزمهم بأنه لا يمكن أن تكون فاران إلا مكة ؛ لأنه لم يظهر أحد -لا في بني إسرائيل ولا في بني إسماعيل- مصدقاً لما بين يديه من الكتاب، إلا محمد صلى الله عليه وسلم.
    ثم قال شيخ الإسلام : "قلنا: أليس في التوراة أن إبراهيم أسكن هاجر وإسماعيل فاران؟! وقلنا: دلونا على الموضع الذي استعلن الله منه واسمه فاران ".
    القضية الأولى أن نقول: إن الله ذكر في التوراة أنه سبحانه وتعالى قال لإبراهيم: اذهب وأسكن هاجر وابنها إسماعيل في برية فاران، والقصة موجودة بكاملها، مع ذكر نبع الماء من تحت أقدام إسماعيل، بما يشبه إلى حد كبير ما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وشيخ الإسلام رحمه الله سيؤكد ذلك، ولكن هذا كلام ابن قتيبة، والنص الذي ذكره شيخ الإسلام وابن قتيبة موجود إلى اليوم في التوراة.
    والقضية الثانية: من أين استعلن الرب إذا لم يكن من مكة، ولم يظهر كتاب أو رسول من غيرها؟!
    قال شيخ الإسلام : "وقلنا: دلونا على الموضع الذي استعلن منه واسمه فاران، والنبي الذي أنزل عليه كتاباً بعد المسيح؛ أوليس (استعلن) و (علن) وهما بمعنى واحد؟ وهو ما ظهر وانكشف. فهل تعلمون ديناً ظهر ظهور الإسلام وفشا في مشارق الأرض ومغاربها فُشُوَّه؟!
    وقال أبو هاشم بن ظفر: ساعير جبل بـالشام، منه ظهرت نبوة المسيح. قلت: وبجانب بيت لحم القرية التي ولد فيها المسيح، قرية تسمى إلى اليوم ساعير، ولها جبال تسمى ساعير .
    وفي التوراة: أن نسل العيص كانوا سكاناً بـساعير، وأمر الله موسى ألا يؤذيهم، وعلى هذا فيكون ذكر الجبال الثلاثة حقاً، جبل حراء الذي ليس حول مكة جبل أعلى منه، ومنه كان نزول أول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، وحوله من الجبال جبال كثيرة، حتى قد قيل: إن بـمكة اثني عشر ألف جبل، وذلك المكان يسمى فاران إلى هذا اليوم، وفيه كان ابتداء نزول القرآن، والبرية التي بين مكة وطور سينا تسمى برية فاران، ولا يمكن أحداً أن يدعي أنه -بعد المسيح- نزل كتاب في شيء من تلك الأرض ولا بعث نبي".
    يقول شيخ الإسلام : فاران إلى الآن تطلق على جبال مكة وبالذات جبل حراء، فهذه الجبال التي يقال: إنها اثنا عشر ألف جبل، و (75%) من مباني مكة مبنية على الجبال؛ فهي من أكثر مدن العالم صعوبة في التضاريس، فالجبال فيها كثيرة جداً، فتكون فاران إما اسم المنطقة كلها، أو اسم لجبل حراء .
    وأمر آخر: وهو أن البرية -وهي الصحراء- الممتدة ما بين الطور إلى مكة، هي برية فاران ؛ فسواءٌ قلنا: إن فاران هو الجبل، أو قلنا: إن فاران هي البرية، فلا يستطيع أحد أن يدعي أن نبياً أرسل بها أو أن كتاباً أنزل فيها، إلا أن يكون ذلك النبي هو محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يكون ذلك الكتاب هو القرآن الكريم.
    قال شيخ الإسلام : "فعلم أنه ليس المراد باستعلانه من جبال فاران إلا إرسال محمد صلى الله عليه وسلم، وهو سبحانه ذكر هذا في التوراة على الترتيب الزماني، فذكر إنزال التوراة، ثم الإنجيل، ثم القرآن، وهذه الكتب نور الله وهداه".
    يقصد أن الترتيب في البشارة بين المواضع الثلاثة موافق لترتيب نزول الوحي على موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وذلك أن الله أول ما أوحى إلى موسى عليه السلام، ثم إلى عيسى عليه السلام، ثم إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
  2. دقة الكلمات الإلهية في البشارة بخروج النبي صلى الله عليه وسلم من جبال فاران

    ثم نأتي إلى قضية أخرى وهي من لفتات شيخ الإسلام -رحمه الله- الذكية، وهي في مسألة الظهور أو التجلي ثم الإشراق ثم الاستعلان، فلها معنى ولها مغزى، من جهة أن الوحي هو نور الله، قال تعالى ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا))[الشورى:52].. ((قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ))[المائدة:15]، والكتب السماوية كلها نور: ((إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ))[المائدة:44]، فالوحي هو النور، فذكر أنه يبدأ النور أولاً من مكان، ثم يشرق من مكان، ثم يستعلن من مكان، وهذا يتناسب مع الواقع، وفيه شهادة عظمى لهذه الأمة.
    قال شيخ الإسلام : "وقال في الأول: جاء أو ظهر، وفي الثاني: أشرق، وفي الثالث: استعلن، وكان مجيء التوراة مثل طلوع الفجر، أو ما هو أظهر من ذلك، ونزول الإنجيل مثل إشراق الشمس، زاد به النور والهدى، وأما نزول القرآن فهو بمنزلة ظهور الشمس في السماء، ولهذا قال: (واستعلن من جبال فاران )، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر به نور الله وهداه في مشرق الأرض ومغربها أعظم مما ظهر بالكتابين المتقدمين، كما يظهر نور الشمس إذا استعلت في مشارق الأرض ومغاربها، ولهذا سماه الله سِرَاجًا مُنِيرًا، وسمى الشمس: سِرَاجًا وَهَّاجًا".
    فهذه العبارة من شيخ الإسلام تتناسب مع الحقيقة التاريخية، وفيها أمور: الأمر الأول أن أول ما أوحى الله إلى موسى، ثم عيسى، ثم محمد صلى الله عليه وسلم.
    الأمر الثاني: أن موسى عليه السلام كان بداية النور، ثم جاء عيسى عليه السلام فكان الإنجيل إشراقاً؛ لأنه أضاف إلى التوراة وزاد فيها، فهو مكمل للتوراة وليس مبطلاً لها، فزاد نور التوراة بنور الإنجيل، كما أن الشمس حين تشرق فإن النور يزداد؛ ولكن أعظم ما يكون النور إذا ارتفعت في السماء من الضحى فما فوق، حين تعم العالم بالنور، وهذا هو الذي حصل لمحمد عليه الصلاة والسلام.
    الأمر الثالث: أن الله سبحانه وتعالى وصف نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه: (سراج منير)، ووصف الشمس بأنها: (سراج وهاج).
    قال شيخ الإسلام : "والخلق يحتاجون إلى السراج المنير، أعظم من حاجتهم إلى السراج الوهاج؛ فإن الوهاج يحتاجون إليه في وقت دون وقت، بل قد يتضررون به في بعض الأوقات، وأما السراج المنير فيحتاجون إليه كل وقت، وفي كل مكان، ليلاً ونهاراً، سراً وعلانية.
    وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {زويت لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها}".
    يذكر شيخ الإسلام أن حاجة الناس إلى السراج المنير أشد منها إلى السراج الوهاج، والسراج الوهاج هو الشمس؛ فالشمس تفيد الناس في وقت دون وقت؛ لأنها قد تضر في بعض الأوقات بحرارتها، أما السراج المنير فإنه خير لا ضرر فيه، فوصف محمد صلى الله عليه وسلم بأعظم مما وصفت به الشمس.
    ثم قال شيخ الإسلام: "وهذه الأماكن الثلاثة أقسم الله بها في القرآن في قوله تعالى: ((وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ))[التين:1-8]، فأقسم بالتين والزيتون، وهي الأرض المقدسة التي ينبت فيها ذلك، ومنها بعث المسيح، وأنزل عليه فيها الإنجيل، وأقسم بـطور سينا، وهو الجبل الذي كلم الله فيه موسى، وناداه من واديه الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة، وأقسم بالبلد الأمين، وهي مكة، البلد الذي أسكن فيه إبراهيم ابنه إسماعيل وأمه، وهو الذي جعله الله حرماً آمناً، ويتخطف الناس من حولهم، وجعله آمناً خلقاً وأمراً، قدراً وشرعاً، فإن إبراهيم حرمه ودعا لأهله، فقال: ((رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ))[إبراهيم:37]".
    ومعنى (جعله آمناً خلقاً وأمراً، قدراً وشرعاً): أنه شرعاً لم يحل لأحد، وإنما أحل للنبي صلى الله عليه وسلم ساعةً من نهار، كما بين ذلك، وأما كونه آمناً قدراً فمعناه: قدّر تقديراً كونياً أن يكون هذا البيت محرماً معظماً.
    والمقصود: أن الله تعالى أقسم بقوله: ((وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ))[التين:1-2] ثم قال: ((وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ))[التين:3]، فقدم ذكر التين والزيتون على طور سينين، ولعل ذلك لأن التين والزيتون يعني بلاد الشام، وهي غير مختصةٍ بعيسى عليه السلام، فقد بعث فيها قبله إبراهيم ولوطاً عليهما السلام وغيرهما من الرسل، وإن كان عيسى عليه السلام هو آخرهم، وهو الذي أشرق به الوحي كما سبق أن أوضحنا، أما الطور فمعلوم أنه خاص بموسى عليه السلام، فمع أن موسى عليه السلام آياته أعظم من آيات عيسى عليه السلام، ومع أن التوراة أعظم من الإنجيل، ولكن بلاد الشام -التين والزيتون- شارك المسيح فيها غيره من الرسل، فهي بلاد معظم الأنبياء ولذلك قدمت على الطور.. والله أعلم.
    ثم قال شيخ الإسلام : "فقوله تعالى: ((وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ))[التين:1-3] إقسام منه بالأمكنة الشريفة المعظمة الثلاثة، التي ظهر فيها نوره وهداه، وأنزل فيها كتبه الثلاثة: التوراة، والإنجيل، والقرآن؛ كما ذكر الثلاثة في التوراة بقوله: (جاء الله من طور سينا، وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران ). ولما كان ما في التوراة خبراً عنها أخبر بها على ترتيبها الزماني، فقدم الأسبق فالأسبق، وأما القرآن فإنه أقسم بها تعظيماً لشأنها، وذلك تعظيم لقدرته سبحانه وآياته وكتبه ورسله فأقسم بها على وجه التدريج، درجة بعد درجة، فختمها بأعلى الدرجات؛ فأقسم أولاً بالتين والزيتون، ثم بـطور سينا، ثم بـمكة ؛ لأن أشرف الكتب الثلاثة: القرآن، ثم التوراة، ثم الإنجيل، وكذلك الأنبياء، فأقسم بها على وجه التدريج؛ كما في قوله: ((وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا))[الذاريات:1-4].
  3. قصة سيدنا إسماعيل وأمه هاجر ودلالتها على كون فاران هي مكة

    قال شيخ الإسلام : "وما ذكر ابن قتيبة وغيره من علماء المسلمين من تربية إسماعيل في بَرِّيَّة فاران، فهكذا هو في التوراة، قال فيها: (وغدا إبراهيم فأخذ الغلام، وأخذ خبزاً وسقاءً من ماء، ودفعه إلى هاجر، وحمله عليها، وقال لها: اذهبي! فانطلقت هاجر، فضلت في بَرِّيَّة سَبْع، ونفد الماء الذي كان معها، فطرحت الغلام تحت شجرة، وجلست في مقابلته على مقدار رمية سهم؛ لئلا تبصر الغلام حين يموت، ورفعت صوتها بالبكاء، وسمع الله صوت الغلام؛ فدعا مَلَكُ الله هاجر وقال لها: مالك يا هاجر؟ لا تخشي؛ فإن الله قد سمع صوت الغلام حيث هو، فقومي فاحملي الغلام وشدي يديك به؛ فإني جاعله لأمةٍ عظيمة)".
    معنى ذلك: أن هاجر ابتعدت ورفعت صوتها؛ لأنها لا تريد أن تراه حين يموت من العطش، فجاء ملك الرب، وقال: لا تخافي، إن الله تعالى سيجعله أمّةً عظيمة، وفي بعض النسخ: (أمّةً عظيمةً جداً جداً). أي: أنه لن يموت الآن، بل سيكبر ويتزوج ويكون له نسل، ونسله سيكون أمة عظيمة جداً جداً.
    قال شيخ الإسلام : "وفتح الله عينها فبصرت بئر ماء، فسقت الغلام وملأت سقاءها، وكان الله مع الغلام، فربي وسكن في بَرِّيَّة فاران ".
    نحن نقطع بأن هذا الغلام هو إسماعيل، وهذا لا نقاش فيه لا عند اليهود ولا النصارى ولا المسلمين، ولا يحتمل أبداً أن يكون غير إسماعيل، فنحن نلزمهم بهذه الأشياء القطعية التي يسلِّم بها كل نصراني وكل يهودي في الدنيا.
    قال شيخ الإسلام : "فهذا خبر الله في التوراة: أن إسماعيل ربي وسكن في برية فاران، بعد أن كاد يموت من العطش، وأن الله سقاه من بئر ماء، وقد علم بالتواتر واتفاق الأمم أن إسماعيل ربي بـمكة، وهو وأبوه إبراهيم بنيا البيت، فعلم أن أرض مكة من فاران ".
    يذكر شيخ الإسلام أن قصة إسماعيل وأمه هاجر تدل دلالة صريحة على أن أرض فاران هي مكة ؛ لأن جميع الأمم تقطع أن إسماعيل وإبراهيم عليهما السلام بنيا هذا البيت، وأنه بني في مكة، فإذا كان إسماعيل قد تربى وسكن وعاش وتزوج في برية فاران، فإن فاران هي مكة قطعاً، حيث نشأ هذا الغلام، وحيث عين زمزم موجودة إلى اليوم.